القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 

 

 

 

 

 


 


إيزر

“حرب أم”

للكاتبة :أماني علي

 

 

 

 

 

أنا "إيزر" هذا مايجبُ أن تعرفه حاليًا ، لستُ متعجلًة بطبيعة الحال على  أي شيء،ستعرف كل شيء لاحقًا

لنبدأ إذن برواية قصتي التي لستُ أقولها بكل فخر ، لكن من داخل روحي اشعرُ بأنني عظيمة ، بدأ كل شيء قبل سنوات ، حينمَا قرر والدي أن يهبني فداءً لصديقهِ صاحب الـ٦٥ عامًا ! كنت حينها لم أتجاوز السابعة عشر من عمُري فتاةٌ تحبُ الحياة،والرقص على أنغام العصافير ،أصحو مُبكرًا أشربُ كوب حليب مع بدايات الشروق،لا أصحو متثاقلةً بل أصحو خفيفة كنسمة ! أذهبُ لمدرستي أقابل صديقاتي،أضحك وأتكلم ونغني وأجتهدُ لأجل مستقبلي الذي أردته، أن أصبح كاتبة كان حلمي،أما الآن فقد صرتُ زوجة رُغمًا عني وعن محاولاتي في التوسل إلى أبي " السكير " الذي أخذ قراره دون وعي منه ، في ذلك اليوم بدأ كل شيء ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بدأ أبي يومه كالمُعتاد بالصراخ على أمي لكن هذا اليوم كان مُختلفًا قررت أمي بلا أي سبب أن تدافع عن نفسها لأول مرة ويا ليتها بقيت صامتة ككل مرة ، لم تكُن أمي تنبسُ ببنت شفة عندما يكون والدي في المنزل لكنه قدرها ،جعلها تنطُق في أسوأ أحوال أبي حينمَا عاد من مقامرته خاسرًا كل ما يملك لأكون أنا آخر ممتلكاته ليضعني الرهن الآخير..

دافعت أمي عنّي ،رفضت قراره لكن دون أي جدوى كانت تحاول وتصرخ أمام وجه أبي تترجاه ألّا يلقي بي في يد ذاك الرجل الغريب ،ألّا  يلقي بي لأكون أنا من يتعاقب على ذنوبه ،لنُعد تصوير ذاك المشهد الذي لا يختفي من ذكرياتي أبدًا :

في غرفة صغيرة حيثُ كنا نعيش بعدما رهن أبي كل ممتلكاتنا أنا في زاوية الغرفة، والداي في منتصفها،أمي ساقطة أسفل أقدام أبي تتوسله وأبي يركلُها هي وجنينُها،راح يركلُها بأقصى قوته وأمي تبكي، وأرى أخي الذي لم يأتي بعد تتقطعُ أشلائه في بطنها!

توقف أبي عن الضرب فجأة ،توقف بعدما انقطع صوت بكاء أمي ! أبي ينظر إلي بكل دهشة..كأنه تذكّر أن هناك شخصًا ثالثًا في الغرفة، خاف أبي وارتعش،بدأ يصحو من سكرته،نظر إلي بكل رهبة لأنني الشاهدة الوحيدة على كل هذا الجُرم،فصبّ كل خوفه على جسمي أيضًا،كان يريد أن يتخلص من أي شيء يربطه بذاك البيت..ظن أنها نهايته أو نهايتي

دُفنت أمي وطفلُها ،أوصلهما أبي إلى حتفيهمَا بسبب غضبه فقط ،أما أبي بعد أن تطمّن على أنني تعيسة جدًا في بيت ذاك الجد بعد أن زوجني أياه بسعر بخس فقط لأجل أن يبعدني عنه حتى لا يراني ويتذكر فعلته بأمي يوميًا فقرر اللحاق بأمي بسبب جرعة زائدة،كان خائفًا جدًا من دخول السجن والعقاب الذي سيلاقيه..ذهب إلى سجن أعظم وقاضٍ أحكم

كم كنتُ اتمنى أن يموت ،أن يذهب، لأتخلَص من كل هذا، الآلم لأصحو من كابوس حياتي أن اتوقف عن كوني إنسان!

أنا هنا لستُ إلا مجرد جسم مستلقية على سريره كخرقة بالية لكن الأمر لم يكُن يتوقف على موت والدي فما ذقتُه هنا ما هو إلا أسوأ من حالي قبل ،بل يا ليتَ أنني أعيشُ في بيتنا كما كنا!

كُتِب عليّ أن أعاني وها أنا استسلم لقدري،أرضخ وأخضع لكل ما يودُ فعله،أن يُدمرني أن أُدمر نفسي بنفسي،أن أحرق ،أن أموت،لا بأس بكل هذا ،لنبدأ معركتي إذن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكونُ يقوم على صبر النساءِ

شامخاتٌ صبحًا وقوياتٌ في المساء

كيف سيكون الكونِ من دونهنّ؟

وهنّ لنا الروحُ والحب والهواء

ــــــــــــــــــــــــــ

ظللتُ أردد هذه الكلمات كل يوم علّني أصبرُ بها نفسي أن أُمرر بها أصعب أيامي،لأنه لا عالم دوننا نحنُ النساء ..لكنني كنتُ أقول لا بأس ولكن كل البأس في صدري !

وأنا أموتُ من شدة يأسي أنني لن أجد معنى للسعادة ولا الحب حتى أموت حتى تنتهي بي حياتي وينتهي آلمي ،لكنني أُصابُ كل يوم بإحباط أنني أفني كل حياتي أتجول في هذا المنزل الفاره،لا أنكر أن حالتي المادية هنا أفضل بكثير من السابق،لكنني أفتقد ذاتي القديمة،واصدقائي،افتقدُ أمي ..كم وددتُ اخبارها بأنني شاحبةٌ هزيلة،كل شيء هنا على اكمل وجه لكنني أكثرُ تفكيري ،أشرُد بخيالي،يأخذني وأنا ألهو ،أو وأنتِ تراقبينني في الحديقة يا أمي كيلا ابكي أو يأتي طفل يدفعني وأسقط أرضًا ،ها أنا يا أمي أتمرغُ في وحل الوحدة،دون أي أحد ينتشلني منها، كم وددتُ أن أخبركِ أن الحياة تقتلُني صرتُ اشبه بالشبح،لا أكلم أحدًا إلا حظي لأندبه على سوءه،لم أكن بخير طوال تلك الفترة ولم يلحظ أحد،لم يرى أحد مدى سوء حالي،كنتُ أنطفي ،يذهبُ بريق عيناي،روحي تُنهش،اهربُ للنوم لكن كوابيسي تلاحقني توقضني لتذكرني بأنني أعيش شيئًا وواقعًا أسوأ،ليتكِ هنا .

تمرُ أيامي على حالها دون جديد،تتكورُ غيمة سوداء أسفل أهدابي،والدمعُ يخُطُ مساره على خديّ،أما فضحكتي لم اسمعها قط منذُ دخلتُ هنا.. التكرار أصبح يخنُقني ،الأيام تدور في دائرة واحدة لا استطيع الهرب ولا الخلاص ،استيقظ كعادتي في السادسة صباحًا، أجُرُّ قدماي متثاقلة أخطو بخطواتٍ صغيرة مُحمّلة بكل ما في هذه الدنيا من آلم على جسدي الصغير،أتناولُ كوب القهوة ،اتأملُ سواده..من ذَا الذي أخطأ بحقك وجعلكِ كئيبة تحملين كل هذه المرارة والسواد في جوفك؟ أنتِ تنهارين ونحنُ نستلذُ بانهيارك هذا.

ألبسُ لبس الرياضة أذهب لأمشي في طريقٍ لا أعلمُ له نهاية ،امشي كثيرًا ،سماعاتُ الأذن يعلو صوتها في أذناي لا اسمعُ ضجيج السيارات ولا ضحكات الصديقات ولا بكاء طفل في حديقة ،مُنعزلة تمامًا وحدي،يُقاطع شعوري باختلائي مع ذاتي اتصال منه "زوجي" ويُعيدني اتصاله إلى واقعي المرير.

أعودُ إلى المنزل ،أذهب إلى حوض الإستحمام، كأنني أُطهِر روحي،أُبللها وأجعلها تنتعش ،أُسقط ذنبي الذي ارتكبته قبل قليل من على جسدي،مُبللةٌ بدمائه !

-نعم لقد قتلته دفاعًا عن نفسي يا حضرة المُحقق.

وقفتُ لأول مرة خلف قضبان السجن " على الأقل مؤقتًا " كان الوضع مثيرًا تتدفق داخلي مشاعر كثيرة مع الحماسة والخوف والبكاء اشعر بالرهبة من الموقف ، أصابع الأتهام تشير نحوي ، خائفة من الأحكام التي ستوجه لي .. لحسن الحظ فقد فقدتُ وعيي لا أعلم ماذا حصل بالضبط لكنني وجدت نفسي مستلقية على أحد الأسرّة في مستشفى !

ـ أنتِ حامل في الشهر الثاني مبروك!

كان هناك سؤال واحد يتردد في ذهني ..

- هل سيكبر ابني في السجن؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

تبرأتُ من ذنبي لكنني لم أتخلص من نسخته الصغيرة التي ورّثها بداخلي،حاولتُ اجهاضه بكل الطرق لكن كما قلت"سوء حظي" جعلني محمّلة به ٩ أشهر حتى وضعته، كيف سأكون أمًا وأنا قاتله؟ انظرُ لوجهه الصغير ،جميعُ اصابعه تُمسك باصبعي ،انه يعرف أنني أمه رغم أني من حرمتهُ من حب والده..أتعلمون؟لا غلط فيما فعلتُه فهو كان مليئًا بأمراضه،لن يستمر في حياته بكل تلك الأمراض أكثر من شهرين ،جعلته يرتاح بالتأكيد،كيف سأحتضنُ الآن هذا الطفل وفي قلبي سوادٌ بدأ يبتلعني أيضًا من شدة سخطه وحقده على هذا الكون؟ هل أهرب؟ أم أضعه أمام باب منزلٍ كبير علّه يجد حب عائلة أفضل مني؟ فأنا لا أقوى على حب شيء حتى نفسي بتُ أكرهها،بل أبغضُها،ترأيتُ أنني غاضبة على العالم بما يكفي لأرميه فقط،يتشرد حتى يموت بلا أي اهتمام مني ،هل فعلتُها؟نعم.

وضعته في سلّة صغيرة كان يبكي من برده مشيتُ ابحث عن بيت مناسب لأن يكبُر به طفلي..حسنًا هذا البيت مناسب إلى اللقاء صغيري،عدتُ إلى منزلي أجُر بقية خُطاي،  من تلك التي فعلَت كل هذا؟بالتأكيد لستُ "إيزر" لستُ الفتاة التي تمنَت أن تموت أفضل عندها من أن ترى طفلًا يتألم،التي كانت تدخر بعضًا من نقودها حتى تشتري قطعة حلوى لطفل صغير مشرّد ! والآن من هذه الفتاة الغريبة التي تركت ابنها في شوارع مليئة ببرد صاعق ؟افتقدُ بكاءه الآن ! لماذا؟ هل بدأت أيضًا بالاشتياق إليه،ومتى؟الآن؟ لا ينفعُ ذاك الآن شيئًا..حاولتُ النوم لكن الأرق يمنعني ،أتخيل وجهه يبكي والثلج يتساقط على وجنتيه الكرزيتين،أتقلّبُ وأضعُ وسادتي على رأسي علّها تخفف ضجيج عقلي وصوته أنا أكاد أجن ،كم أكرهك آيها الطفل،تناشلتُ جسدي من مرقده الكئيب أرتديتُ لبسًا مبعثرًا ركضتُ بأسرع ما استطيع ،أريدُ صغيري..يارب ليكُن بخير !أركض واتعثر ألف مرة ركبتيّ تنزف دمًا لكنني أركض ركضة عرجاء حتى أصل إليه بأسرع ما يمكنني علّني أنقذه من برد الشتاء هذا

أو علّني أجده على الأقل

***

شكرًا يا آلهي ما زال هنا لكنه صامتٌ مغلقٌ فاه،تحسستُ وجهه الساخن جدًا ولأول مرة ناجيتُ الله أن يهبني قوة كافية لأتحمل خسارة فرد جديد من حياتي ناجيتُ الله أن يغفر لي ما فعلته بطفلي.. أتفعل أم ما فعلته؟ أخذته لأقرب مشفى أتوسل لكل طبيب أمامي أن ينقذه أنتم ملائكة الرحمة ارحموا قلبي وانقذوه اُدخِل قسم الطوارئ كان يلفض انفاسه الأخيرة سيذهب هو أيضًا من بين يدي .

تخطيتُ الأكتئاب بنجاته ،لكنني في المُنتصف،منتصف كل شيء ،لستُ بين شيء لكنني وحيدة وخاوية،ثائرةٌ على هذه الحياة.

لمَ حُرِم الأنتحار؟ لمَ لا استطيع الإنسحاب فقط من هذه الحياة؟أن اختفي واتلاشى وحسب لن يبحث خلفي أحد لن يُهم أحدٌ انطفائي ،رُبما قد سرق مني كمَال الأشياء،نصف حياة ونصف موت،أحلامُ نومي فاسدة هل سأموتُ بسبب ابتلاعي أحدها؟ أندبُ يوميًا كوني أنا،وأكره أبي لأنه جعلني معلّقة بحياة تؤلمني..هل صرتُ نسخة عنه ؟ سأضع طفلي مربوطًا في مشنقة الحياة كما كنت؟

ترددت زياراتي به إلى المشفى بشكلٍ شبه يومي فحالته لم تكن مستقرة تمامًا ..لاحظتُ نظرات ذاك الطبيب نظراته تدل على اشمئزازه مني ،"ها قد أتت الأم المهملة لطفلها"يُرددها دائمًا حتى اليوم فصفعته ! لقد أصبحتُ عدائية جدًا ،أمسك بيدي ليُدافع عن نفسه صرختُ بصوت عالٍ "إنه يعتدي عليّ"،جعلته في ورطة قد تكلفه عمله وسمعته ،ألم يستحق هذا؟ لقد أهان أمًا ولم يعلم ما واجهته حتى أصبحتُ أمًا،صحيح أنني رفضته أولاً وكرهته وحاولتُ قتله لكن لا يعطيه الحق بأن يقول ما قاله .

عدتُ إلى المنزل بعد أنتهاء مراجعتي بالطفل ،وضعتُ روحي ورميتها مستلقية أجهشتُ بالبكاء..من أنتِ؟ أتأمل صورتي في مرآتي ،كم مضى من عمري حتى أبدو بهذا المنظر؟ كم عامًا مضى حتى صرتُ لا اشبهني؟

صوتُ الجرس..كالعادة أسحبُ خطواتي بثقل الجبال لأتجه إلى الباب افتحه بكل بطئ فأنا لا انتظر أحدًا منذُ زمن ولا يوجد من ينتظرني على الناحية الأخرى إلا يائسي،اليوم من الطارق؟  جاء الصوت " أيتها الأم المهملة" عرفتُ من أنت ولكن لم أكن أتوقعك.

"اعتذر عما حصل اليوم،أظن أنكِ تتحملين الكثير حتى أنكِ لم تعودي تحتملي أي مزاح.." لا أعلم ماذا قال في بقية كلامه،لكنه اعتذر مني! لم يعتذر مني أحد طيلة حياتي كنتُ اشبه بشماعة يلقي عليها الجميع اخطائه والآمه ولا يكترث أحد بالآمي الشخصية . "أتسمعيني يا اممم؟"

-أنا إيزر .

"يبدو أن بالك مشغول بأمور الطفل ،أستأذن،أراكِ بموعده القادم"

-كيف جئت إلى هنا ؟

-بكل بساطة لقد تبعتك،دعيني لا أزعجكِ ،بالطبع سأراكِ في وقت آخر

أغلقتُ الباب وفُتح باب آمالي،أهذه بداية فصل جديد في حياتي؟أم أنه استكمال لما عايشته ،يأسٌ جديد.

أكملتُ أيامي كما هي مع طفلي "آيدن" لا أضيفُ على حياتي أي مرح أو بهجة كما أنا وسأبقى أنا إيزر اليوم وغدًا حتى بعد سنين من الآن .

بعد رحيل الطبيب انغمستُ في تفكيري..حياتي السوداء..وأحزاني..وطفلي الصغير! هل سيدخلُ فرد جديد لنا؟هه دعيكِ من هذه الخزعبلات فلن يتورط أحد بدخول جحيمك،جحيم حياتك،لم يدخله أحد من قبل ليستشعر برودته ولا حرارته ،الجميع إن خيّرتهم فلن يختاروا شيئًا ،موتهم أو حياتهم لمدى الحياة أهون عليهم الآف المرات من أن يقعوا -ولو خطأً- في نارك.

بتُ افكِّر فيما حدث طول الوقت ، مهما يكن قصده من زيارتي إلا أنه اكترث لأمري ،هل هو معجبٌ بي ؟

اشعرُ بحرارة في وجهي وأخجلُ من تخيّل الفكرة فقط

مضى أسبوعًا وحالة "آيدن "مستقرة ولم اضطر للذهاب للمشفى ،عشت على الأقل ذاك الأسبوع أقل حزنًا مما مضى،كان هادئًا دون أي قلق أو ارتباك تماثلت للشفاء قليلًا من كل شيء لا اشعر بأي شيء اتجاه أي شيء ،لقد شعرت كثيرًا حتى توقفتُ عن الشعور ..صوتُ الجرس مرة أخرى بالتأكيد أنه هو ،إنه لا يعرف أداب الزيارة،فلينتظر قليلًا..القليل من أحمر الشفاه،هل أرفع شعري أم ابقيه منسدلًا؟صوتُ الجرس يرن مجددًا ..لم يُخطئ حدسي انه هو.

ـــــــــــــــــــــــــ

*إيثان

بالطبع كانت هي بجمالها البسيط،لا هي جذابة ولا بشعة،ملامحها الصغيرة ،ومن تكون غيرها؟أم في بداية شبابها ،شجاعة لا تسمح لأي أحد سوى قدرها بالتلاعب بها ،وجهها الأبيض وعيناها الواسعة ..المُرهقة ! عينان توحي لك بأنها عاصرت حروبًا ..اختفى بريقُ عينيها، كلُ شيءٍ مثالي وشفتاها الصغيرتين ،صوتها الناعم ،لا مزعج ولا منخفض ،معتدلة ومتوسطة في كل أمورها ،حتى بابتسامتها الصغيرة،ورائحة عطرها الفواح الذي يسبقُها،كان سواد قلبها ينعكس على سواد شعرها ،كانت تشعر بأنها نقطة سوداء في الكون في العالم المضيء ،الحمقاء الصغيرة لم تعلم بأنها حبها اختلَج لُبّ صدري ،ماعشته سابقًا كان وهم ومن هنا ابتدأت حقيقتي وحقيقة حياتي..ولو بدأت أحصي أيام عمري سأبدأ من حين رأيتها أول مرة .

ــــــــــــــــ

*إيزر

-أهذا أنت؟

-أكنتِ تنتظرين أحدًا؟آسف لوجودي دون موعد لكن أردت الاطمئنان فلم أراكِ منذُ أسبوع

-أنا بخير

كانت نبضات قلبي ستخترقُ صدري،كانت نظراته الدافئة تشعرني بالآمان ،لن يؤذيني أبدًا..أراهن على ذلك فشخص مثله لا يمكن أن يمس حتى حشرة فكيف بي أنا؟

دعوته لدخول منزلي،لا أريد أن أكون فضّة معه ،كانت فرصة جيدة لأن اتقرب منه لأعرف ماذا يريد؟هل يبادلني شعوري؟أم أنني أحلم وابني حياة لا وجود لها..أعلم أنني مُتسرعة لأن أقع في حبه لكنه شيءٌ تمنيته منذُ صغري،لمَ التأخير إذن؟

ــــــــــــــــــــــــــ

* إيثان

يتضح عليها بأن عقلها مُشوش ،اخبرتني باسمها أربع مرات في أول نصف ساعة فقط،لم أود أن اشعرها أنني حفظتُ اسمها عن ظهر غيب من أول مرة ،كم أنا في أقصى مراحل سعادتي ،أريدها أن تتحدث أكثر صوتها الناعم يبُثُ فيّ السرور،وددتُ لو أنها تعطفُ على أذناي وتتحدث أكثر،تروي عطش سمعي لصوتٍ أنثوي خجول كهذا،كانت كلماتها مطمئنة رغم أن من داخلها الآف التشويش والهذيان،كانت متزنة رغم اضطراباتها ،تعرف كيف تتصرف مع بشري! إنني أجزم بأنها ليست كائنًا بشريًا وإنها شيء خارق لا يمكن وصفه ،لا يمكنني أن أقول أنها بشرية لا استطيع أن أجعلها بدونيتنا بعد أن سمعتُ منها كل ما عاشته ،كيف لإمرأة أن تضحي بكل هذا الكم ؟ ومازالت تصبُ جهدها لتهبَ المزيد من التضحية للكون،أود أن أكون بطلكِ ،سأضحي من أجلكِ أنتِ  تستحقين.

كانت تحب الكتابة،قرأت لي بعضًا منها ،رفعت خصلات شعرها ،شعرها يستنجد بألا تكون قاسية هكذا لتبعده عن ملامسة وجنتيها،وقفت وقفة بطل عاد مُنتصرًا من ساحة الحرب بكل ثقة بدأت تصدحُ بصوتها ؛

"قد قلتُ للجميع كلا

ونبهتهم بأن "حذارِ

لاتقعوا في الحب وإلا

وكم حكتُ لهم من أعذارِ

فإذا بي وقعتُ بهِ

وأصبحتُ مختبئًا في داري

وكأن لا أحد هنا غيري

ولا غيره أحد بجواري

فتغيّرت حالي عندئذٍ

وصار هو كل أقداري

فمنحتهُ حبي وقلبي

أعطيتهُ كل أسراري

عشتُ أجمل أيامي معه

وكأنني في نعيمٍ وأبرارِ

لا أريد غيره وأحبه

فبالحبِ تغيرت أفكاري

عشنا أحلى قصة حب

حتى جاء يومُ الوداع والإنكسارِ

افترقنا لسوء حظنا

افترقنا يا حزنُ قلبي وانكساري

فجفّت بعدها أراضي فؤادي

بعد تلك الأمطار والأخضرارِ

عُزِف الناي وقت فراقنا

وأما أنا قطعتُ أوتارِي

ومن جديدٍ عدت وحدي

فهذه النهاية..ياللعارِ !"

ـــــــــــــــ

* إيزر

أنهينا تلك السهرة عاد "إيثان" لمنزله وبقيتُ أنا أعيدُ خياطة اجنحتي لأطير مجددًا،لأُحلّق من فرط شعوري الرائع،لم اشعر بهِ من قبل،كنتُ أرى في نظراته حبًا ،يُبهره كل شيء أقدمه،يُسعد لسماع قصتي..التي أخفيتُ بها أنني قاتلة حتى لا ينفر مني هو أيضًا،يمر الوقت ثقيلًا حتى لقاءنا التالي..كيف استطيع محاربة الوقت وحدي الآن،انظر لصغيري ،ياليتك أخذتَ ملامح "إيثان " الجريئة وكنت بابتسامته البيضاء،وعيناه الغائرة ،روحٌ تتجول ممتلئة بالسعادة ،الآن أصبحتُ أؤمن بالصدفة وما آحلاها من صدفة..

اعتادعلى زيارتي حينما يعودُ بعد صباحه المنهك،نشربُ شايًا ونتسامر،يغفو قليلًا على الأريكة،يا لسعد الأريكة! يقرأ ما اكتب،كم كنتُ أحبُ أن أكتب لأرى عيناه تنظر إلي وأنا أُلقيها ،اصبحت أضحك كثيرًا نسيت كل ما عايشته سابقًا أعيش في سعادة لن تتكرر،اصبحتُ أحب الخروج من المنزل بالطبع برفقته ،نذهب إلى الشاطئ وأحيانًا إلى المقهى نحتسي قهوة كعائلة سعيدة أنا وهو و "أيدن " كانت السعادة ترافق روحي في كل مرة يمسك بها يدي أو يقبلني ..أزوره مرة في المشفى بحجة أن “إيدن”مريض وهو يعرف بأنني أكذب فما جئت إلا لأراه ،يأخذني من يديّ ونذهب إلى الشاطئ ويطلب مني قصيدة !

 

ـ إقرائي لي قصيدة

ـ يكفي لن اقرأ ستنام في منتصفها

ـ أرجوكِ واحدة

يعلمُ أنني لن أرفض !

ـ هذه كتبتها من أجل شخص

ـ لا تقرأيها

ـ أتغار؟

ـ لا

ـ سأقرأها

ـ قلتُ لا!

ـ لأن هذا الشخص أنت،ربما؟

ـ حقًا،أصرتُ ملهمك؟اقرأيها أرجوكِ

"إني أحبك وهاك مشاعري

إن الـ"أحبك" كلمة لا ألقيها

فكم درتُ الدنيا حتى وجدتك؟

وبذلتُ لأجل بذرة الحب اسقيها

هاكَ قلبي وحنينهُ إليك

حتى روحي إن أردتُها لك اهديها

صبِرتُ وصابرت وذقتُ مرّك الفتان

فمتى تكبرُ البذرة ،واجنيها؟

فدتك عيناي يا أسيرُ مشاعري

فداك روحي إن أردت كيّها،اكويها

إنّي وحياتي نعيش لك

حتى حياتي أقسم أني لك أفديها

الأيامُ تمضي على أملٍ

وباقي الأيام لأجلك أفنيها

أصبرُ علّني أراك ،وتراني

صابرةٌ لأجل عينيك لألتقيها"

ـ أحبكِ إيزر ليتني استطيع الرد بنفس قدرتكِ على الكتابة على الأقل.

كانت عيناه قد غرورقت بالدمع،كأنه أيضًا يفتقد للحُب كما أنا أتوق إليه! اشعر بالحُب يسير في فؤادي،قلبي في أعمق نقطة منه استشعر حبك ،هل تُراك مثلي؟ كان ينظر إلي بكل لطف بكل الحب في هذا العالم .

اكملنا سهرتنا كما العادة بكل فرح يختلجُ صدري.

لكن كانت تلك آخرها،بعد اعترافنا بالحب رحل،هل يخاف الألتزام مع امرأة مثلي؟ أم أنها كانت علاقة عابرة وستمضي؟

مضى أسبوعين منذُ آخر لقاء كان بيننا،لم آره ولم يزرني ولا يردُ على رسائلي،هل ملّ مني؟

كانت نهاية مُتوقعة!

رفعتُ سقف أمنياتي وإذ به يتهاوى فوق آمالي!

كنا نعلمُ جميعًا بما سيحصل.

ـــــــــــ

* إيثان

جميع كلمات الإعتذار لا تعبّر عما بداخلي،آسف آسف آسف لأنني بنيت لكِ أحلامًا من فراغ ،على الأقل جعلتكِ سعيدة لفترة مؤقتة،كنتِ تستحقين لو قليلًا من الفرح،الآن آخر لقاء لنا سأعتذر منكِ على الغياب الذي بدَر منّي دون أي إرادة مني ،لا أعلم كيف سأُقابلكِ بعد غيابي كيف سأقولها أنني راحل؟كيف سيحتمل قلبي بكاءك، قد قلتها أنتِ  في تلك الليلة"الجميع يرحل عني" لم أكن أريد أن اكون مثل الجميع،طيلة حياتي كنتُ متفردًا بذاتي،كنتُ أرى نفسي في مرحلة عُلوٍ من الناس حتى جئتِ وجعلتني أرى أني ما أنا إلا بشر ..والآن بفعلتي هذه أن أترككِ وأرحل ما أنا إلا وغد،لو أن الظروف غير التي أعيشها ما كنتُ لأفرط في فتاة مثلك! أنتِ يا "إيزر" شيء عظيم،خلّاب ،مذهل،آه كم أريدُ أن أكون معك،مدى الحياة.

طرقتُ بابكِ لم أود أن آخذ موعدًا خشيتُ أنكِ تكرهيني،كم تودين الآن بأن تخرجي قلبك وتقطعيه ياترى أو حتى تستفرغيه من جوفك ؟ فتحتِ بابكِ بابتسامتكِ التي تتظاهرين بها،أرى أن خدكِ الكرزي ما زال مبللًا من دمعك،أكنتِ تسقين الكرزة المزروعة على وجنتيك؟.

-أهلًا إيزر

-أهلًا..

ذلك ما وددتُ قوله حينما رأيتُك لكن لساني تحت سيطرة قلبي،لم استطع أن أخفي كلماتي أكثر!

-كم اشتقتُ إليك؟

سقطتُ أسفل قدماه أبكي،كيف سأتخلى عنه وهو الذي بثّ في روحي الأمل،جعل الحب يدب في روحي دبيب الخمر ،عاد بي الزمن..منظر أمي تتوسل أبي حتى لايرميني لذاك العجوز ،فراح يضربها..لملمتُ شتاتي المُلقى على الأرض ،وقفتُ أرى نظراته المندهشة،كأن قلبه قد توقف عن ضخ الدم في جسمه

"إيثان" يا صاحب الوجه الشاحب أتسمعني؟

كأنه صحى من غفلته وانتبه

-اعذريني على غيابي في الأسبوعين الماضية،كنتُ أنهي اجراءات السفر.

-سفر؟ومتى ستعود إذن؟

-لن أعود،عرض علي مشفى في مدينة أخرى،وبصراحة راتبهم أعلى بكثير من راتبي هنا.

-إذن سأذهب معك.

لم أكن بهذه الجراءة من قبل نعم عرضت عليه أن أذهب معه،لننتقل ،سحقًا لهذه المدينة ،لا أحد لي هنا،لا اصدقاء ولا أهل ،لا أحد سواه هو وطفلي،أتراه سيرفض؟فتاة غريبة لم التقها إلا مراتٌ عديدة تعد على اصابع يد !

-سامحيني..لا استطيع فعلها أنتِ أم ولديكِ طفل فلا تقعي في قصة حب وتنشغلي عنه ،أنتِ تعرفين مدى آلم الطفل دون والديه،صحيح؟

-معك حق وكلُ الحق بأن ترحل ولا بأس لتذهب إذن،كل التوفيق لك.

-اعذريني،ليس تقليلًا بك لكني طبيبٌ مرهق ولا اتحملُ الضوضاء،سامحيني..لا انكر بأنني أحببتكِ أيامًا لكن لابد لنا أن نفترق.

ـــــــــ

* إيزر

لقد رحل إذن ولم أكن أنا السبب هذه المرة قد رحل لأنني أم عزباء فاستغلّ ضعفي وهشاشتي ورحل ،ماذا كنتُ اتوقع غير ذاك؟

أمضيتُ أيامي احذف من ذاكرتي ذكرياتنا

هذه الأريكة جلسنا عليها

هذا مشروبك المفضل ملئتُ ثلاجتي منه لأجل أن تعود مجددًا وتجدُ ما تحب هنا

تخلصتُ منها كلها قررتُ الأنسحاب كلٌ منا في طريق كما تريد!

------

* إيثان

نعم رحلت وللأسف وبكل الأسف في العالم،إنه شرك عاداتنا وتقاليدنا الذي وقعتُ به ليتني كنتُ شجاعًا لأقف أمامهم من أجلكِ،قلتُ أنني سأحارب لأجلك لكنني جبان

اختارت لي أمي الفتاة التي "تناسبني" قررت عني ذلك وانهت الموضوع،حان الوقت لأعيش في وهم دونك ،حان الوقت لأعيش حياة مليئةٌ بالزيف في كنف إمرأة أخرى .

"إن الهوى مهما قسوتِ موجودُ

وبكلمةٍ واحدة منك أطيرُ

لا قيسَ قد عاش ليكتب في هواك

ولا عنترة ولا حتى جريرُ

أنا يائسٌ وهواكِ منقذي

ولكن ارتمائي في بحركِ خطيرُ

كم لك في أضلعي شوقٌ؟

كأنه جهنّم وهواه سعيرُ

وحدي أنا..وحدي هنا

بين صبابة وعشق أسيرُ

ماذا أكتب إن أحببتني؟

وأنا من أحرفي عليكِ أغيرُ

أحبك جدًا يا جميع هزائمي

قلبي مبصرٌ فيما سواكِ ضريرُ

اكتب كل ليلةٍ ألف قصيدة

وحينما ألقاكِ يخونني التعبيرُ"

كنتُ أردد هذه الكلمات دائمًا يا ليتني قلتُها لك لتعلمي مدى حبي لك وأنني كنتُ مجبرًا.

ـــــــــــ

* إيزر

اشعرُ بأنني أعيش حالة صدمة بعد رحيلك كلُ تفكيري بك،كأنني ارتكبتُ جرمًا وها أنا أعاقب،لحظة! أنا فعلًا ارتكبتُ شيئًا بشعًا،قتلي لزوجي السابق هل أكرره؟ربما!

كتبتُ له قصيدة حتى وإن كانت سخيفة سأرسلها لأن قلبي محطم ومستاء..علّه يحنُّ ويعطف على حالي عندها ونعود! حتى لا اضطرُ أن اكرر فعلتي تلك ،أرجوك وافق؛

"أرجوك لا تقُلها

بأن هنا بداية

المُفترق !

كم سرنا معًا؟

وكم مشينا بكل

الطُرق؟

كم سال دمٌ ودمع

كم من أعيُننا حزنٌ

دُفِق؟

العمرُ يمضي بكل يأس

كم فرحة منا العمرُ قد

سرق؟

شاهدنا شروق الشمس سويّةً

وظللنا حتى

الشفق

أرجوك لا تقُلها

أنكفُ الآن عن الغوص

وننجو من الغرق؟

قل كم ليلةً سهرناها

بعد حزن الفراق

والأرق؟

والآن أتنهي حبنا

بكل طفوليّة؟

بكل الحمَق!

لنفترق..

لنفترق ودَع هذا الطريق

هو المُفترق"

ــــــــــــــ

* إيثان

آه يا إيزر.. إنني ارتمي في دوامة من الأعاصير،الكل يقذفُ  بي للآخر،كنتِ من تشبثتي بي وجرحتكِ دون أي رحمة،أنا اعلم بأنني لن اتوقف عن حبكِ يومًا لن أجد مثلكِ فتاة ..قوية برغم حزنها،لا تخبئين هالاتكِ بأدوات زينة،تشعرين أنها تُعبّر عن قوتك،كم ليلة سهرتِ بها مظلومة،كم سهرتِ لأجل طفلك ،كم ليلة سهرتِ لأجلي؟..ولا ليلة منهم كانت لأجلك،حتى لو بحثتُ عن أكثر امرأة حزنًا لن تكون كما أنتِ كنتِ!

مازال قلبكِ يسع الجميع رغم كل مامررتِ به ،كيف تكونين بهذا اللطف بعد كل هذا؟ ما زلتِ الفتاة التي كانت قبل أن تتزوج،بروحكِ الصغيرة،ابتسامتكِ الخجولة،وفصاحتك،تفتقدين للحياة للأصدقاء ،وللحُب،ولا تجدينها.

كيف اجعلكِ تكرهيني ،لتنسيني ،لتعيشي دوني كما كنتِ قبلي؟

سأكتبُ رسالة لها..

"أنا أحبك

لكن لستِ كافيةً ولن تكوني لستِ إلا أم ،تعيشُ من أجل طفلها..لا يمكنكِ أن تكوني معي بعد الآن"

ـــــــــــــــــــ

* إيزر

"أتقلها بكل فخرٍ

أنني لستُ أكفي يا عدمْ؟

أنا الحياة والكيان

أنا حبٌ عشته أيامًا يا صنمْ

أنا رحيقُ زهرة وعطرها

أنا صوت الطيور والنغمْ

أنا امرأة وقفت أمامك

لتجرك خلفها أنت والسقمْ

وتقول أنني لستُ أكفي؟من أنت؟

لا اسمعُ إلا بكاءً من آلمْ

أسقطتُ من القلب حبك

أخيرًا أسقطتُ  أيضًا الندمْ

من سيُداوي جرح روحك

هل جرحها بعدي سيلتئمْ؟

أحببتني أنت وأنت من هرب

فاشلٌ أنت وأعلم منذ القدمْ

لم تحتمل حب امرأة مثلي

وقفتَ خائفًا قلتَ زلّت بي القدمْ

قلتَ وقعتُ جريحًا في أراضيكِ

وها أنا انتظر أمطاركِ تهطل لآلتئمْ

لا تخف مليءٌ  القاع من مثلك

رفعتك قبلًا وها أنا انزلك لتزدحمْ

اعتدنا أن نرمي كل مخلفاتُنا

فماذا سيضرنا إذ نرمي رمادًا من فحمْ؟

حاولتُ كثيرًا أن ترتفع أن ابنيك!

كيف فكرتُ ببنيان من انهدمْ؟"

هذه الأبيات ستفي بالغرض ، ستؤرّق نومه ،سيتعذب حين يقرؤوها

لكن حقًا لا أودُّ أن يشعر بها

لا أودُّ أن اعذبه

رميتُ الهاتف وتجاهلتُ رسالته،كانت تحرقُ روحي ،تسحقني لكن لا بأس! معه حق .

 

لقد سافر "إيثان" منذ ٥ أشهر وعدتُ لحياتي ،لبؤسها دون أن يكترث لأمري،هل يعلم مدى جرحي؟

هل هذا جزائي على ما فعلته لزوجي؟ آه زوجي..أصبح كابوسًا بالنسبة لي ،باتَ يزورني في أحلامي ،يراقبني ويُعاتبني على خيانتي ربما؟ أم أنه يحس بالظلم لأنني قتلته ولم أقتل "إيثان "؟

عذابُ قلبي يؤلمني ولا استطيع التحمل أكثر ولا أريد أن يكبر "أيدن" على أم مثلي يجب عليه المضي قدمًا مع عائلة رائعة.

سافرتُ ولحقت "إيثان " إلى مدينته ، أخبرته أنني أريد لقاءه ،أعلم أنه لا يريد لقائي ويكرهني لكن يجب أن اتخلص مما يجوبُ في أعماق قلبي..

بعد يومين من وصولي ،رأيته..كما هو بشعره الأشقر اللامع وعيناه الخضراء ،لم يتغيّر إلا الخاتم على اصبعه! هل تركني ليتزوج؟ لم يحبني حقًا ..يا لسوء حظه إذن.

لو أنه اخبرني بذاك لما غضبت،ربما ،لكنه علّق حبي على شماعة وراح لأخرى! كان هذا الموقف ابشع شيء مررتُ به،لو أنه أحبني لما كذب على من أحبته.

كنتُ احترقُ في نارين..الشوق والغيرة،يتجاذباني في كل دقيقة أُقلّب على جهة من العذاب.

ـ طلبتِ لقاءنا تفضلي هل تحتاجين شيئًا

ـ نعم ،اصبعك!

كان ذاك ردي فعلًا لكنه ضحك ولم يأخذني على محمل الجد

أكملنا الحديث نتسأل عمّا حدث في تلك الشهور،لكن لم يخبرني بزواجه.اتفقنا على لقاء في يوم آخر،ليس لأنني اريده بل لأنني أودّ الأخذ بثاري وبثار قلبي،آه كم أتوق للقاءنا التالي،لم يخبرني عن زواجه،ولم اخبره عمّا أعلم،بقيتُ أراقب كل تصرفاته ،أنسي أنني كاتبة أُدقق على كل شيء..ألاحظ كل ما يفعله،نظراته التي تتجاهلني،كانت تشعل نارًا في قلبي،لكن لا بأس فنهاية هذا الأسى قريبة..جدًا.

بعد ثلاثة أيام تقريبًا كان قد حان وقت لقائنا..

اتفقنا على أن نلتقي في الشقة التي استأجرتها مؤقتًا ،حتى ينتهي ما أتيتُ لأجله.

وصلَ "إيثان" إلي..منمّقًا كان ينوي أن يُزّف لنعشه بأفضل حلّة ،كان يريد ربما أن يذهب لدنيا آخرى بشكلٍ راقٍ! هذه السعادة لن تدوم طويلاً.،هذه الدقائق كانت بطيئة حتى أجد الفرصة المُناسبة

جلسنا وأكرمته عصيرًا وحلويات ،كان يتحدث بكل سعادة عن حياته الهنيئة هنا،لم يتطرق لموضوع زواجه من أخرى لم يتطرق أنه خان حبي ورحل خلف كذبة بشعة تحرقني وتشعل نارًا في قلبي!

 

ـــــــــ

*إيثان

لا أعلم كيف سأواجهها ؟ ،خائف من كل شيء،من عينيها،من ابتسامتها الباردة التي تُخفي حزنها،أخاف جدًا منها هل أخبرها؟ أم اجعلها معلّقة هكذا؟

ذهبتُ إليها بكل رعشة ،جسمي يتعرّق ،كل مفصلٍ في جسمي يرتجف،ما زلتُ أحبها كثيرًا،كأول يوم ،لكني فقط خائف! كانت تلك الأشهر الخمس منذُ انفصالنا الأصعب،الأبشع،الأسوأ،بل أكثر من ذلك أيضًا ،توقعتُ منها أن تكون هادئة هكذا كما كانت دائمًا،لكن لم اتوقع أن تتخلّى عيناها عن النظر إلي،أن تتخلّى روحها عني،أن تخرجني من أعماقها بلا أي سبب،هي لا تعرف ماذا حصل معي ! فضلت أن ترمي عليّ خيالاتها أن تتهمني بالخيانة،هذا ما اتوقعه منها حين تعلم بالأمر،وكم اتمنى أن تكون الفتاة التي في مخيلتي أن تتفهم ما آلت إليه الأمور،أن تقبل ما حصل رغم مرارته،في لقاءنا الأول بعد الأنفصال نسيتُ أن اخلع ذاك الخاتم البائس نسيتُ أنها تُدقق على كل شيء!يالا غبائي!

هذا لقاءنا الثاني يبدو أنه أصعب من الأول،ارتديتُ اجمل مايمكنني ارتدائه،سأعترف بكل شيء،لم يكن علي أن أكذب عليها،سأعترف حتمًا بكل شيء أمامها،لا كذب بعد الآن،سأبدأ معها من جديد،حتى وإن أرادت الرحيل لا بأس على الأقل سترحل وأنا طاهر نقي كما كنتُ أول مرة عرفتها بها.

ذهبتُ إلى شقتها الصغيرة،تُضفي عليها لمساتها تعبّر عن ذاتها التي ما زالت تبحثُ عنها منذُ زمن ! كانت كما هي يزداد جمالها شيئًا فشئيًا ستتحولُ يومًا إلى حورية أو وردة ،لم يكن"أيدن" معها ربما كانت تجهّز لليلة رومانسية دون أي ازعاج،ترتدي فستانًا أحمرًا قصيرًا،شعرها الأسود الذي أحبه لقد قصته،قصة شعر رائعة حبيبتي.

ــــــــــ

* إيزر

ها هو يدقُ جرس المنزل لقد وصل آخيرًا ليلقى حتفه،ذاك الأحمق كانت غلطته أنه قرر الأبتعاد ،وفوقها كان يكذب!

رحبتُ به من جديد ،أريد أن تمضي دقائقه الأخيرة بسعادة .

بعد ساعتين من الحديث ،لم يتطرّق أبدًا لموضوع زواجه،هل كان يحبني من الأساس ؟كيف قالها أنه يحبني وهو يُخبئ أسرارًا بداخله ولا يُعلمني بها؟ قرر البقاء غامضًا على أن يُصارحني،هو من طلب مني هذا.

أراد أن نسترجع أيامنا القديمة ،يُريد مني قصيدة

حسنًا !

لنلقيها إذًاً،بدأتُ :

 

كفى لننهي الحب ونقل وداعًا

إلى متى سأظلُ أرضيك؟

مللتُ هذه العلاقة مللتُها

مللتُ أناديك حبيبي وأُسميك

تعبتُ من الآلام جميعها

ما عاد شيءٌ منها يكفيك

كم أردتُ حبًا هانئًا فقط!

والآن نحتار أتُشقيني أم أشقيك؟

لديك كل ما أملك، قلبي وحبه

ماذا بقي كي أرضي غرورك؟سأعطيك

كم بذلتُ لأنهي فشلنا هذا

وتعودُ وأيئسُ من محاولة تخطيك

لنحملُ نعش حبنا ونصلي عليه

عظم الله أجرك ،في الحب أعزيك

 

كان لا بُد أن يفهم مغزاها، ياليته قال وداعًا ورحل! أعلم أنني كنتُ  نزوة عابرة له وأنني مجرد جسر عبور ليمشي من فوقي ويذهب لأخرى.

تعالي أيتها الفرصة المُناسبة أرجوكِ تعجلي بمجيئكِ .

ـــــــــ

*إيثان

ها هي فرصتي إذن ،حان الوقت لأخبرها بمكنون قلبي منذُ  أول يوم رأيتها.. الآن هو الوقت المناسب بيننا الجو هادئ وأنا وهي انتهينا من أخبارنا والحديث عمّا حدث في فترة فراقنا تلك

-عزيزتي إيزر سأخبركِ شيئًا ، هل تظنين أنني أحببتكِ مصادفة لأنني رأيتكِ في المشفى فقط؟ هل تظنين ما حدث بيننا كان لأنني رأيتكِ واعجبت بكِ فورًا ؟ إن الأمر والقصة بدأت منذ ثلاث سنوات تقريبًا ،بالضبط حين كنتِ في المقبرة تقفين وتحاولين البكاء على زوجكِ كنتُ حينها أدفنُ أخي الأصغر،تعرّض له مجموعة من الفتيان وضربوه وأخذوا كل ما يملك وقتلوه .. كنا لا نعلمً عنه شيئًا قبل الحادثة حتى اتانا خبر وفاته.. كان طائشَا منذ صغره وعنيدًا وأنانيًا ،حتى حدث به ما حدث.

لم أشكر الله على شيء كما شكرته حين توفى،رأيتكِ ذاك اليوم ،وسكنتي قلبي وتعمقتِ به ، وجهكِ المليء بالأسى ، أنفكِ الأرنبي وخدودكِ الكرزية حمراء من الشمس.. فجأة نسيتُ الحزن على أخي وحزنت لأن مثلكِ يحزن! كيف للحزن أن يتجرأ أن يدخل حياتكِ ويقلبها رأسًا على عقب؟

ــــــــــــ

*إيزر

كان يتحدث عن قصة حبه لي لكنني كنتُ أحترق من داخلي، أهذا الحب ينتهي بالخيانة؟ أكلُ هذا الكلام كذب؟ يجعلُني أحتار في أمره كثيرًا .. هل أصدق ما يقول ؟ أم سأكون بلهاء إن صدقتُ كلام خائن ؟ خيانته لا تُغتفر حتى وإن كان يحبني قبل خلق آدم ، لقد خانني هذه المرة وإن رضختُ لحبه هذه المرة سيكررها ، لا استطيع أن اسلمه قلبي مرة أخرى "فالخائنُ لا يؤتمن" ليحكي حتى ينتهي ، لأسمع تبريره الفاشل حتى ينتهي لستُ متعجلة أبدًا ، وراءنا الليل بطوله .. وستُنفذ خطتي على أكمل وجه .

ـــــــــــ

* إيثان

تبعتكِ للمنزل اطمئنيتُ عليكِ  ، عرفت عنوان منزلكِ ، رأيتكِ تقفلين أنواره ، كأنكِ تستسلمين وتغوصي في ظلمتك الحالكة ، تتكورين على سريركٍ وتبكين على فقيدك! " هذا ما تخيلته على الأقل أنكِ ذرفتي دموعًا كثيرة لفقدك إياه" بعد يومين من آخر مرة زرتُ منزلك - أو وقفتُ أمامه أتاملكِ- أتيتُ أراكِ لكنني لم أرى سوى عاملتكِ المنزلية تحمل طفلك ،ظننتُ أنني أضعت المنزل أو أنكِ انتقلتِ فكرتُ أنكِ ستعودين لمنزلكِ بعد أن مات زوجكِ توقفتُ من حينها عن المرور من جانب ذاك المنزل .. أردتُ نسيانك والتوقف عن اللحاق بكِ كان ذاك قرار عقلي ، أما قلبي فإنه قرر ألا يتخلى عنكِ مطلقًا .. وفعلًا هذا ما حصل، حين رأيتكِ مرة أخرى عاد الحنين إلى قلبي .. عدتُ لحبي قبل ثلاث سنوات ، كنت أعلم أنني سأراك كنت اتشبث بآمل سخيف أُصبّر به قلبي الذي أحبّك ، قررتُ ألا أتخلى هذه المرة فالمرة الأولى كفيلة بما حلّ بقلبي من الآم وتفكير ..هل سألقاكِ مرة أخرى ؟ وبالفعل رأيتكِ صحيح كيف مات زوجكِ؟

____________

*إيزر

لم أشأ أن أرد على ما قاله لي .. فمن منظوري أنه ما زال خائن ! اشعر باشمئزازي منه رغم حبي له .. لا أود لمسه كما كنّا ولا احتضانه ، أحضانه ما عادت تسعني لقد صارت لآخرى .. حاولتُ تشتيت الموضوع، أردتُ  أن اتهرب منه ، لا أريد حبه .. كنتُ أريد حقيقة لماذا خانني مع أخرى؟ لماذا استنقص امراءة مثلي؟

-هل تودُ أن تسمع شيئًا؟

ـ أكيد أريد ذلك كم تقتُ إليكِ ولقصائدكِ ، لكن لا تنسٍ ستخبريني كيف مات !

 

"حبيبي منذٌ عرفتك اوقعتني

في شرك الحب والأحباء

أرى عينيك كل كواكبي

وأراك في كل الأحياء

أراك حبيبي في كل رجلٍ

أصار كل الرجالِ سواء؟

أحبك وبأسم الحب ارجوك لاتذهب

أتريد أن يضيع الحب هباء؟

كنتُ لك وطنًا وملجأ

وكنتَ لي الماء والهواء

كنا نريدنا فقط أصدقاء

همنا وتعلقنا ونحن أصدقاء!

مجرد فتاة كنتُ أنا

والآن أصبحت الهائمة السمراء

شامات جسمي تغني

حين تدللها ياسيدتي حواء

أحبك جدًا وإن ابتعدنا

فأنا بجانبك بالسراء والضراء

مازالت أمانينا تلاحقنا

وقلوبنا رغم جراحها عذراء

لم يمسها حبٌ دخيل

مازالت كما هي كالطهر بيضاء

فأنا شرقية وفي الهوى عمياء

لتنادي حبيبي لكل الناس

أوقعتني بحبها السمراء!"

ـ ما زلتِ مبدعة ، ما زلتِ تستطيعين التعبير عمّا بداخلكِ،أقرأي لي آخر !

-سيكون الأخير فعلًا طيلة الحياة

ضحِك متعجبًا وبدأت :

أكثر النساءِ فصاحةً أنا

لكنّ لساني أمامَك أعجمَا

واللهِ ما هويتُ قبلًا أبدًا

إلّاكَ أنتَ يا ابن آدمَا 

تُبعدُني عنكَ شِبرًا 

وأعودُ ابني لكَ سُلّمَا

أخرِجُ من ظهرِك سكينًا 

وتُرجِعُهُ لصدري أسهُمَا

كلُ جسدي صارَ حطامًا

حتى باتَ القلبُ محطمَا

أتعلَمُ كم أحبُك؟لا !

اللهُ وحدهُ بحبي أعلمَا

وسيظلُّ هذا القلبُ لك عاشقٌ

وسأظلُّ أحبكَ ولن اسئمَا

أحبكَ في الخفاءِ سرًّا

وأهواكَ هواءً معلنَا

 

 إذن وقد انتهت أمسيتكِ الشعرية ما رأيكِ الآن حبيبتي أن تخبريني كيف مات ؟ منذ زمن أردتُ أن أسألكِ عنه ، لكنني خفت أن احزنك ، لكن ما  آثار فضولي كيف حينما أتيت إلى منزلك كان فارغًا حتى أنه لا يوجد به شيء ذكوري غير أشياء طفلك ؟

 

- لقد قتلته ! لا تُبحلق بعيناك بي ، ليست مزحة نعم لقد قتلته ، فما رأيك بمن خان ؟ أمسكتُ السكين الذي دسسته بجانبي قبل أن يأتي لأمسكه بسرعة رفعتُه أمام عينيه ، أراها تلمع خوفًا ليته فكّر جيدًا قبل فعلته .. ليته خاف من مشاعري على الأقل حين أراد خيانتي ! يبدو أنه أراد أن يبرر موقفه رأيته يبتلع ريق خيانته ويعض أصابع الندم على كل لحظة قضاها مع تلك ، فماذا استفاد؟ لقد مات وهو محمّل بخيبات آمله وهو محمّل بخيانته .

صحيح بأنني قتلتُ شخصًا آخر لكنني لم أخن! الخيانة ابشع شيء في العالم ، أن تكسر أنسانًا .. تشعره بأنه لم يكن كافيًا من الأساس .. تشعره أنك ناقص أيضًا ، تحتاجُ للكثير من الناس ليكملوك!

ــــ

بعد تعاطف هيئة المُحلفين في المرة الأولى معي ، نجوتُ بأعجوبة رهيبة من العقاب ، لكن الآن لا مفر ! تم الحكم علي بسجن مؤبد .. أما أيدن فتم تبنيه من عائلة راقية ، عائلة يستحق أن يكون منهم ، عائلة لا يوجد بها أم قاتلة ومضطربة ، واب عجوز يعيشُ على اقراصه المهدئة .. لتعش حياة هنيئة يا بني!

"في السجن،رسائل إلى أيدن"

أول يوم دخلته كان الأسوأ ، كنت ارتعش من شدة خوفي ممن كانوا هنا ، سارقات ، خاطفات، وقاتلات مثلي !هل تُراهنّ قتلن لأسباب منطقية كما فعلت أنا ؟ بالتأكيد لا ، فأنا عندي أسبابي ، الأول لم أكن موافقة عليه .. لم أقرر حتى ، أما الثاني فقد خان ولو كنتُ استطيع فعل شيء غير قتله وأن اعذبه يوميًا حتى يكون عبرة لكل من أراد أن يكسر امرأة لفعلت ، لعذبته في كل ليلة حتى يتمنى الموت ! هل كل واحدة هنا تفكر بما افكر فيه وترى أنها ليست مذنبة ؟ بالطبع لا فكلهنّ فعلن جرائمهنّ من دافع نفسي أنهنّ مضطربات أما أنا فعلته بدافع الشرف ، والحفاظ على كل امرأة حتى لا تتعرض لما تعرضت له !

ما فعله بي "إيثان "لا استطيع أن اغفره له .. لا يمكنني أن اتوقف عن التفكير عمّا فعله بقلبي.

كانت جميع النظرات موجهة لي ، جميعنا نلبس لبسًا موحدًا بشعًا ، الأسرّة تتراكم على بعضها البعض ، ٣٠ امرأة في غرفة واحدة صغيرة وطاولة في منتصفها ، بعضهنّ نائم وبعضهنّ يتطلعن على هذه الفتاة التي ما زالت في بداية شبابها ، جلستُ على سرير في آخر الغرفة تكوّرت كعادتي عليه وددتُ الهرب من هذا الواقع ، لماذا لم يحكموا علي بالأعدام قرروا أن اتعذب هكذا طيلة حياتي ؟ ألم يكفي ما حصل لي منذ صغري؟ هذه الحياة كم تودّ أن تخرجني منها منهكة ، يا رب اعطني القوة لأتخلص من هذه الحياة ، كما خلصتُ منها زوجي وإيثان ، وجعلتُ ابني" أيدن " ينجو مني ، هل تُراه يبحث عني ؟ أم يبكي على فقد أمه ، كم اتوق لأن احتضنه ! سأكتبُ له رسائلًا في كل عيد ميلاد له سأعطيه واحدة .. لن أدعه يشعر بالوحدة أو أنني تخليت عنه.. لقد تخليتُ عن نفسي لأجله

 

الرسالة الأولى :

هذا عيد ميلادك العاشر ، ها قد كبر طفلي الصغير سنة ، كل عام وأنت بخير صغيري ،اتمنى أنك قد حظيت بهدايا لطيفة تناسبك ، لعبة الكترونية ، أو بيانو لتعزف عليه أصابعك الصغيرة ،أو تذاكر لتذهب لحفلة فرقتك المفضلة ، كم تمنيتُ أن اهديك أنا هذه الأشياء في يومك المميز هذا ، كم تمنيتُ أن احتضنك واقبلك ونحتفل سويًا في مدينة الملاهي طول اليوم ، لكن للأسف أن الحياة غير عادلة معي ، لكنها عادلة معك لتكبر مع عائلة رائعة تلمُك بين احضانها وتشعر بدفئها ، اشتقتُ إليك صغيري .. قبلاتي الحارة إليك ،والدتك:إيزر.

كنت اكتب هذه الرسالة وعيناي تذرف دمعها بغزارة لاحظت ذلك أحدى السجينات جاءت لتجلس بجانبي وتنادمني ونتبادل أطراف الحديث

ـ لا يمكنك أن تبقي وحيدة طيلة فترة السجن !

نظرتُ إليها أمسح دمعي من خدي وارفع خصلات شعري ، كانت فتاة في بداية العشرين تقريبًا صهباء الشعر وجهها مغطى بالنمش ، على الأقل أعلم أنها ليست قاتلة أو ذلك ما يبدو عليها ، ابتسمتُ لها ومدت يداي لأصافحها

ـ أنا إيزر

ـ أنا ليليان أو إذا أحببتِ ليلي

ـ تشرفتُ بمعرفتكِ .. ليلي!

ـ ماذا تكتبين؟ هل تحبين الكتابة؟ أنا أيضًا لدي محاولات بالكتابة ،هل تسمعينني؟

كانت ثرثارة يا ليتني لم أجب عليها قبل قليل، عرفتُ الآن لما كانت تجلس بمفردها فلا أحد يحتمل كل هذه الأسئلة .

ـ نعم أنا اكتب ،فلتُسمعيني شيئًا مما تكتبين

ـ أرجوكِ لا تحكمي على ما أقوله سريعًا ،أريد فرصة

ـحسنًا هيا

تسلّقت على سريرها المرتفع وأحضرت دفترًا صغيرًا، تقلّب أوراقه بكل حقد حتى مزقت منه واحدة خطأ ، ضحكت بصوت عالٍ جدًا وبدأت تشتم أوراقه الرّثه حتى وصلت لمُبتغاها

ـ هل أنتِ مستعدة يا زوزو؟

ـ إيزر!

ـ يبدو أنكِ جديّة بشأن اسمك ،حسنًا إيزر لنبدأ؛

ابقى وحيدةٌ حتى يأتي ذكرُك

ويطردُ طيفُك عني وحشتي

وشوقي لك شديدٌ ليس مثله

لا في قصص الهوى ولا المحبةِ

وقد غيّرني الشوقُ وغيّر هاجسي

وغيّر وصفي وجسدي وصُورتي

أُكفكفُ دمعي ألمًا على فراقك

ويمرُّ طيفُك ويمسحُ دمعتي

أيَا ليتَ الوصال يكونُ حليفنا

ونلتقي بعد الحزن والمشقةِ

ليلٌ طويلٌ اقضيهِ وحيدةٌ

اتقلّبُ بين نارٍ وجنةِ

قد قلّ حيلي في غرامك

كم حاربت اللوعات،لوعةً بعد لوعة

أقلّب صفحات عمري أراك فيها

وتنزلُ دموعي وأقلبُ الصفحةِ

اتمنى لو يومٌ فيه وصالنا

وبعدها لأنطفئ وتختفي لمعتي "

 

بعد أن انهت كلامها ، كانت عيناي تغرقان من الدمع كأنني أول مرة ابكي في حياتي ،جفّ الدمع من عيناي تذكرتُ "إيثان " وكيف كنتُ أقرأ له قصائدي وينبهر في كل مرة أقرأ له في كل مرة أقول حرفًا يحفظه عن ظهر غيب حتى يبهرني بدوره أيضًا .. ليتك ما زلت هنا .

- ماهي التهمة التي جائت بفتاة مثلكِ جميلة هنا ؟

-هل أحببتٍ يومًا شخصًا حتى شعرتٍ أنكما شخصًا واحدا ، لا تقوين على فراقه ، ترين الحياة في عينيه ، تجدين السعادة بالقرب منه وفجأة يتخلى عنكِ دون أي سبب؟ ويشعركِ بأنك - لاشيء في حياته - ويشعركِ بأنكِ حمقاء دون أي سبب ، بالرغم أنه أيضًا يحبك ولكنه لا يقوى أن يحب امرأة مثلكِ تكتب ، تحارب كل صراعات الحياة من أجله ومن أجلها ومن أجل طفلها ، افكر أحيانًا بأنني شيء عابر في حياته ، يختبر كيف يكون مع امرأة عظيمة ، يحب أن يبدو أحمقًا حتى تعطيه بضعُ كلمات حتى يشعر بعظمته السخيفة ، هل فعلتِها من قبل؟

 

-لقد أحببتُ  شخصًا بالفعل لكنه لم يذهب لامراءة أخرى ولم يحدث كل ما حدث معكِ ، أتودين أن تحكي لي ما حدث معكِ ؟ أم تودين النوم قليلًا حتى تعتادي على المكان ونتحدث غدًا بعد الأفطار؟

 

- اجل لنأخذ قسطًا من الراحة ، فقد انهكتُ من البكاء هذا اليوم لنكتفي الآن .

نمتُ ذاك اليوم على سريري المتحجر ، استيقظتُ باكرًا على صراخ " السجانات" لنصحو لنأخذ حمامًا ونتناول وجبة الفطور ، كان ظهري يؤلمني من ذاك الحجر الذي نمت عليه ، كالعادة اتثاقل بخطواتي ، يا ليتني أنام طويلًا ولا استيقظ مجددًا ، دخلتُ لدورة المياه المكتظة بالنساء ، جميعهنّ عرايا ، صوت ضحكات مزعج كيف يمكننهم الاستمتاع بالآمهن؟ خجلتُ أن اتعرى امامهن فانتظرت حتى يخرجن بعضًا منهم على الأقل ، انتهينا جميعًا من الاستحمام ، وحان وقت الفطور ، لا بأس سنعتاد على الآمر يا معدتي ، أعلم أنكٍ نمتِ خاوية بالأمس لكن اليوم سأعوض وجباتي بالأمس وسأكل كل شيء أمامي بكل شراهه ، كان الفطور عبارة عن عدس وخبز وكوب شاي .. لا أود ذكر شيء عن مذاقه فلن يغيّر الأمر شيء ، لكن ما استطيع قوله صحيح أنني لم اطبخ ولا مرة واحدة في حياتي لكنني لو طبخت مرة لكان على الأقل لا يسبب آلامًا في البطن ولا يدفعني لاستفراغه ،على الأقل يمكنني شرب الشاي المر ..كحياتي !

 

في فترة الظهيرة عدتُ لأكتب رسائل لطفلي ، لأكمل ما بدأته بالأمس لكنها عادت تلك المزعجة ،لتقطع حبل أفكاري من جديد

-هيّا اخبريني ، لا تظني بأنني نسيت ما اتفقنا عليه بالأمس !

ـ حسنًا سأخبركِ لكن ليس الآن ، أود أن اكتب قليلًا. .

بالطبع ألحّت وأصرت ولم تدعني اكتب حرفًا واحدًا ،اخبرتها بكل شيء حصل منذُ خلِقت حتى الآن ، لا انكر أنني كنتُ افتقد الحديث ..مع الصديقات أو أي شخص كان ، كنتُ أريد شخصًا يستمع وها قد وجدتُها

ـ والآن لقد سُجنت ، وبدأت اكتب رسائل لطفلي لأخبره ما حدث علّه يسامحني .

كانت تتجاهل النظر إلي أعلم أنها تتظاهر بالقوة وتحاول ألا تريني ضعفها وأن القصة ربما احزنتها ، أو ربما خافت بأنني قاتلة ،أتخاف من أن اقتلها؟ كيف سأفعل لها شيئًا كهذا وهي تسمعني وقد صارت صديقتي ..تقريبًا .. هذا ما اعتقده على الأقل.

ـ الآن دوركِ لتخبريني ما الذي جاء بكِ أنتِ إلى هذه الحياة في هذا المكان المُقزز؟

-هممم ، بعد وفاة والديّ في حادث مروري كان أخي لم يتجاوز الثالثة من عمره تقريبًا ، كنتُ في السادسة عشر من عمري فقط ، انجرفتُ مع بعض اصدقائي .. بدأت اتعاطى المخدرات ، ادمنتها حتى نسيتُ نفسي ،نسيتُ أخي ! كان بمفرده في منزلنا وكنتُ اقضي كل الليالي في منازل اصدقائي ، حتى افقتُ يومُا من ليلة كانت طويلة بالشرب وفقدان العقل ، تذكرتُ أن لدي شخصًا صغيرًا ينتظرني هناك ،ينتظر أحدًا ليطعمه ،افقتُ بعد جاءت الشرطة لتلقي القبض علي ، لأنني كنتُ المسؤولة عنه وقد مات ! أنا هنا منذ خمسة سنوات .. لم يتبق لي إلا أربعة اشهر وتنتهي مدة وجودي هنا .

 

لا أدري لما صفعتها وهي تتحدث ؟ ألأنها حمقاء وفرّطت بطفل صغير وهي كانت مقتدرة ؟ أم لأنها اصبحت قاتلة في سن صغيرة ؟ لو أن الظروف كانت بحال أحسن لكنتُ الآن مع طفلي الصغير وما كنتُ لأتركه مع عائلة أخرى ، ذهبت "ليلي" من هنا غاضبة بعد أن صفعتها ، ربما هي أيضًا تخلّت عن صداقتنا .

على الأقل سأحضى ببعض الراحة وسأكتب لطفلي ، على الأقل يمكنني الآن الاسترخاء من صوتها قليلًا ،بدأت لأكتب الرسالة الثانية لكن الذكريات بدأت تعودُ لعقلي يجب أن اخبره لما فعلتُ هذا. أم أنه ما زال صغيرًا ليعرف أن أمه قاتلة ؟

 

الرسالة الثانية :

عيدُ ميلادك الخامس عشر ! لم أكتب لك في السنوات الأربع الأخيرة حتى لا تعتاد على وجودي ، وحتى لا تمنع رسائلي إليك عائلتك الجديدة  ، هل يخبروك بأنني أحبك جدًا؟ يا بُني إن الحياة كانت قاسية جدًا معي حتى وصلتُ لهذا المكان السيء ،أرجوك لا تكُن كما كنت أنا ، كن قويًا ، هل لديك قطة ؟ كانت أمنيتي أن اشتري لك قطة حينما تصبح في الخامسة عشر من عمرك ، اتمنى أنهم حققوها لك ! هل اصبح لديك هاتف؟ لمَ لا تتصل بي؟ أو تأتي لتزورني ؟ هل تخافُ أيضًا مني؟ كل عام وأنت بخير صغيري .

 

مرّ  ذاك اليوم على مضض ، حتى الصديقة التي تمنيتُ وجودها معي الآن بعد مشاعر تلك الرسالة والبكاء على الماضي لم تكن هنا ! ذهبتُ إليها لاعتذر لكنها أبت أن تكلمني ، حاولتُ كثيرًا ، هل كانت صفعتي قوية جدًا لهذه الدرجة ؟ لكنها كانت تستحقها من يمكنها أن تتخلى عن طفل صغير وتتركه يموت ؟ أنا على الأقل كنتُ أكثر رحمة منها صحيح أنني كنتُ سأجعله يموت حينما تركته على ناصية بيت ، لكن كل ذلك لأجله حتى يعيش حياة رائعة !

إن كنتُ أريد مصالحتها فلا بد أن افعل شيئًا هي تحبه .. سأقرأ لها شيئًا مما كتبت ، لأعترف لقد كانت كتاباتها جميلة جدًا وأفضل مني حتى ،لكنني سأحاول ولا ضرر من المحاولة ، صحيح؟

جلستُ بجانبها ، كانت تبعد نظرها عنّي كطفلٍ صغير ، لم اكترث لحركاتها الطفوليّة وبدأت اتحدث

 

"ودّعيني إن شئتِ أو لا

إقسي عليّ إن شئتِ وعاتبيني

ارحلي دون كلام

إلى ابعد الطريق اسبقيني

هناك حيثُ المجهول

هل ما زلنا معًا ؟ اخبريني

اعطفي عليّ إن شئتِ أيضًا

أنا عطشٌ من ثغركِ اسقيني

ليكبر حبي في قلبكِ

أو دعيني !

لأموتُ خوفًا أو عطشًا أو حزنًا

دونكِ سأموتُ حتمًا ، ارحميني

أُقدِم حبي لكِ على آملٍ

رُبما يحن قلبك،وتحبيني؟

إني أناديكِ يا حبيبتي

عليّ ردي، أتسمعيني؟

كلماتي تخونني في منتصف قصيدة

اعتدتُ أن تبتسمي لتُلهميني

كم كذبتُ أنني نسيت،لتبتسمي

وها أنتِ تعبسين وتحطميني

كم كنتِ معي سعيدة ؟

افهمُ حزنكِ من إيماءة وتفهميني

كيف دارَ بيننا الزمان

حتى صرتِ من حياتكِ تخرجيني؟

هل هذه نهايتنا ؟

فقط لأنكِ سئمتيني؟

لا تُنكري أنكِ ما زلتِ تحبيني

أتنكرين أيامنا وتنكريني؟

أتذكرين؟ أنني حبيبكِ السري

عن العالم كله تخبئيني

أحبكِ لو نكوني ظالمة

لكن عذا ليس من عادتكِ

أن تظلميني

كنتِ كالورداتِ بل أشد رقة

وما زلتِ لكنكِ تجرحيني

أهواكِ لو حال بيننا الزمان

أن تبقي على حبي عديني "

 

ها قد انتهيتُ من قصيدتي ألن تلتفتي حتى وتنظرين إلي؟ اعتذر منكِ ، حاوطت يداها على جسمي وسحبتني لها بكل شدة وحضنتني

ـ أنا أيضًا اعتذر منكِ،أنتِ قاسية لكنكِ كاتبة بارعة ! تفوقينني أبداعاً أكان الحزن هو ما أعطاكِ كل هذا الألهام ؟

ـ إنها موهبة بالفطرة يا عزيزتي

ضحكنا وعدنا نتحدث أكثر ، في الحقيقة بدأت ثرثرتها تعجبني ، اخبرتني بجرائم من كانوا معنا بالغرفة

انظري تلك العجوز كانت تقود سيارتها وهي ثملة ودهست عائلة

وتلك سرقت من منزل عائلة معروفة

وتلك كانت تتعاطى معي المخدرات وتروجها

أما تلك فتقول أنها بريئة !

أصبحتُ معتادة على السجن بل أحببت وجودي به ، على الأقل كان لدي صديقات ،على الأقل اجتمعتُ بالناس مرة أخرى ،عادت ضحكاتي كالسابق ، لكن " ليلي " ستخرج قريبًا من هنا ، للأسف!

مرّت الخمسة أشهر سريعًا كنتُ حزينة جدًا شخصٌ جديد سيخرج من حياتي ويودعني

هل أنا مُصابة بلعنة؟ ألا تبقى علاقتي مع أحد وتستمر ؟

ـ إذن أنه الوداع زوزو

ـ إيزر يا حمقاء !

ـ إذن أنه الوداع إيزر

ـ أجل ها قد حان لولو !

ـ لن أغضب ، يعجبني هذا

ودعتها بكل دموعي ، وعدتني أنها ستزور "أيدن " وتطمئن عليه وتوصل له رسائلي التي كتبتها بكل أسى وبكل شوقٍ ، ستخبره أن يأتي لزيارتي ،اشعر بالخوف من نظرات العتاب التي سأتلقاها منه ! لا أعلم كم اصبح عمره الآن لكنّي سأعطيه هذه الرسائل دفعة واحدة ، يفتحها متى أراد ، ليعرف أنني لم أنسه طيلة حياتي وأن ما أوصلني لهنا هو أنني كنتُ أخاف عليه من هذه الحياة أني كنت أخاف عليه مني أيضًا .. سيُقرر أن يزورني في وقت من الزمان ،أثق بذلك من صميم قلبي أؤمن أننا سنلتقي.

 

الرسالة الثالثة :

عيد ميلادك العشرون ! اصبحتَ رجلُا  الآن ، هل بدأت دراستك الجامعية ، أم أنك توقفت بعد المرحلة الثانوية ؟ هل غزى الشعر وجهك وأصبحت كثيف الشعر كوالدك ؟

سأخبرك قليلًا عن والدك ، صحيح أنني لم أكن أحبه وجاء لحياتي وأنا لا أدري ولم أكن أريده وكنتُ أصغر من عمرك آنذاك ، لكنه كان كريمُا، يجب أن أعترف بذلك ، لم يكن شريرًا وكان عطوفًا ، لكن عيبه أنه عجوز وأنا كنتُ طفلة ، والأسوأ أنه كان سكيرًا .. يذكرني بأبي ، لقد مات بسبب أمراضه الكثيرة ! أما إن كنت تسأل لماذا أنا هنا فأنا لأول مرة عشتُ شيئًا لنفسي بدون أي تضحيات لأحد آخر قررت هذه المرة أنني سأضحك واستمتع في كل لحظة سأعيش قصة حب رائعة مع شخص أنا اخترته .. لكن للأسف ، كان خائنًا !

بما أنك كبرت الآن ستعرف أنه لا شيء أسوأ من الخيانة أبدًا ، كنتُ سأسامحه لو أنه اعترف بغلطه لكنه أنكر كل ذلك ، ولم يتطرق للموضوع حتى كأنه يهرب من الحقيقة ، كان جبانًا ولا وجود للجبناء في حياتي ، كنتُ أجازف أنا لأجلك ولأجلي أما هو تخلى عني وعنه ، وأنا وهبت روحه فداء لك ، حتى أُسجن لتتبناك عائلة أخرى .. ليس فيها أحد قاتل ، والآن قد عرفت ملخّص قصتي هل ستأتي لأحتضنك ؟مرة واحدة فقط أرجوك أيدن !

 

تمُر الأيام بكل حزن منذُ  رحلت " ليليان " الغرفة رغم عدد الأشخاص الذين بداخلها إلا أني اشعر بالحزن ، اشعر أن المكان بات خاويًا من الأرواح .. نستيقظ كل يوم في نفس الوقت نتناول وجبتنا ،نشربُ الشاي المر ليُبارك الله بالشاي الذي صار رفيقي كل صباح، نستحم ، نخرج قليلًا أمام أشعة الشمس الحارقة ،نستنشق الهواء،نعيد لأرواحنا به الحياة،  تتناقص الأعداد وتزداد في لحظة أخرى من " المسجونات" كل يوم نفقد وجهُا ويأتي بدلُا عنه عشرات الأوجه .. لكني افتقد ليلي الثرثارة ! عُرِفت في الزنزانة بأنني كاتبة ، لقد نسيت اسمي بأنه "إيزر " اصبحنّ ينادينني بـ " المثقفة" !

كل يومٍ أقرأ لهن شيئًا نتسلى به حتى يمضي الوقت .. لكنني أخاف أن تنفد كلماتي ، ما عاد عقلي يُساعدني لأكتب شيئًا جديدًا ، أخاف أن يتوقفن عن طلبي أن أقرأ .. وتختفي موهبتي والشي الوحيد الذي أحبه مع مرور الوقت ، أخاف أن اتوقف عن الخوف !

كُل يوم يشبه اليوم الذي قبله ..

التكرار الممل يخنقني..

الوقت بطيء

واشتاقُ لطفلي "آيدن"

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

حان الآن وقتُ قصيدة اليوم ، لم أكن في طاقتي أن ابحث عن كلمات ولم يكن بمقدوري أن اكتب شيئًا ، فقدتُ شغفي للكتابة ربما ! بحثتُ عن شيء قديم أقرأه لهم ،  سأشعر بالحزن إن لم أقرأ شيئًا هذا اليوم ،يكفيني أنهم خصصوا لي وقتًا من يومهم ليستمعوا لهرائي ..  كتبتُ يومًا رسالة ل"إيثان" حينما انكر وجودي!

وقال أنني لستُ أكفي لأنني أم ،لنقرأها لهم اليوم.

 

" ما جئتُ لحياتك مجرد امرأة

ولا جئتُ إليك في الحقيقة

كنتَ تلاحقني بكل شغفٍ

وكنت تطلب لقاءً ولو دقيقة

أرجوكِ لنلتقي لأراكِ

لو صدفةً في الحديقة

عكستُ حينها طريقي لك

والآن كلٌ منا في طريقه

علّقت آمالكِ على عاتقي

أنا فقط أريدكِ صديقه!

فهمتِ اهتمامي بكِ خطأً

بأنني أريدك لي عشيقة

أنتِ حمقاء فلتفهمي

أنا أخاف الحب وابتلع ريقه

بُهِت ذاك الغرام واختفى

وتلاشى وانطفى بريقه "

توقفتُ عن القراءة رفعتُ رأسي إليهم ،وبدأنّ بالتصفيق إليّ ! هل أحببن حقًا كلماتي ! يالدهشة من ظن أنني سأصبح كاتبة في زنزانة ؟ هذا أكثر شيء رائع ومهيب في آن واحد..

صار روتينًا لنا هناك أن نشرب الشاي ونقرأ شيء مما كتبت ، كنا كالأخوة هناك ..ذاك الخوف الذي كان اعتراني حينما دخلتُ هنا تلاشى وحلّ مكانه راحة وحب في صدري،لا أحد يلقي عليّ اللوم ولا أحد يشعرني بأنني شخص شرير ولا أحد يهتم بما فعلتُ في الماضي ،المهم هي إيزر اليوم من تكون ؟ الكاتبة المثقفة !

تمرُ الأيام كما هي للأسف ،لا جديد سوى الروتين القاتل نفسه يتكرر ويتكرر ويتكرر ..

زارني  “أيدن” في عيد مولده الخامس والعشرون كان متعجبًا أنه لم يتلقَ مني رسالة حينها ..أوقفتُ رسائلي حتى ينسَ ما فعلته وينسَ أن لديه أمًا أخرى غير التي يعيش معها ،لكنه أتى محملًا بحقد دفين !

كان لقاءنا مخيفًا ..

كان نسخة أباه بالضبط ،بتلك القامة المهيبة والشعر الأسود الكثيف واللحية الغزيرة ،كأن أباه قد عاد لينتقم مني فقط،شرارة تنطلق من عينيه وتُصيبني .

 

 

أيدن :

كنتُ واقفًا أمامها تلك التي تقول بأنها أمي !

حقًا كانت جميلة كيف يمكن بأن تكون هنا وجهها لا يدل على أي شر  قد تفعله أبدًا ،أتيتُ محملًا بشوق في صدري ،وددتُ أحتضانها لكنها كانت خائفة جدًا وترتجف..أمسكتها وضممتُها على صدري وبكيتُ كثيرًا وبكيت..لكنني لم أسمع  أي صوت يهمس عند أذنيّ !! ابتعدتُ عنها وإذ بها تسقط ،صرخت عاليًا استنجد بالأمن الموجود،جاء الطبيب ليرى حالتها ..للأسف لقد توفت أمي بين أحضاني !

هل أنا السبب في وفاتها كما هي فعلت مع ذاك الذي أحبته؟ لا أعلم لمَ كانت خائفة مني أبدًا ،لكن بعد قراءتي لمذكراتها هذه علمتُ بأنني كنتُ في متاهة وعشتُ في كذبة ..

كانت تحبني ،لكن العالم كان قاسيًا معها..

أرقدي في سلامٍ إيزر ،أرقدي في سلامٍ ماما .

 

 

انتهى

6-3-2021

أماني هزازي

Reaction
author-img
أكره الحياة،وجِدتُ عليها لأموت!

تعليقات